هذه الآية في سورة النور وما أحوجنا أن نفهم معناها وأن نفهم معاني القرآن كله لكن هذه الآية على وجه الخصوص أظن أن الكثير والكثير والغالبية لا يعرفون معناها فهماً واضحاً..
عالج الكيان البشري , حتى أشرق بالنور ; وتطلع إلى الأفق الوضيء ; واستشرق النور الكبير في آفاق السماوات والأرض , وهو على استعداد لتلقي الفيض الشامل الغامر في عالم كله إشراق , وكله نور ..
(الله نور السماوات والأرض). . النورالذي منه قوامهاومنه نظامها . . فهو الذي يهبها جوهر وجودها , ويودعهان اموسها . . ولقداستطاع البشرأخيرا أن يدركوا بعلمهم طرفا من هذهالحقيقةالكبرى , عندما استحال فيأيديهم ماكان يسمى بالمادة - بعدتحطيم الذرة - إلى إشعاعات منطلقة لاقوام لهاإلاالنور ! ولا "مادة " لها إلاالنور ! فذرة المادة مؤلفة من كهار بوإليكترونيات , تنطلق - عند تحطيمها - فيهيئة إشعاع قوامه هوالنور ! فأما القلب البشري فكان يدرك الحقيقة الكبرى قبل العلم بقرون وقرون . كان يدركها كلماشف ورف , وانطلق إلى آفاق النور . ولقد أدركهاكاملة شاملة قلب محمدرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ففاض بهاوهوعائد من الطائف , نافض كفيه من الناس , عائذ بوجه ربه يقول: " أعوذ بنور وجهكا لذي أشرقت بهالظلمات , وصلح عليه أمرالدنيا والآخرة " . وفاض بهافي رحلة الإسراءوالمعراج . فلماسألته عائشة: ه لرأيت ربك ? قال . " نور . أنى أراه
ولكن الكيان البشري لا يقوى طويلا على تلقي ذلك الفيض الغامر دائما , ولا يستشرف طويلا ذلك الأفق البعيد . فبعد أن جلا النص هذا الأفق المترامي , عاد يقارب مداه , ويقربه إلى الإدراك البشري المحدود , في مثل قريب محسوس:
مثل نوره كمشكاة فيها مصباح . المصباح في زجاجة . الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية , يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار . نور على نور . . وهو مثل يقرب للإدراك المحدود صورة غير المحدود ; ويرسم النموذج المصغر الذي يتأمله الحس , حين يقصر عن تملي الأصل . وهو مثل يقرب للإدراك طبيعة النور حين يعجز عن تتبع مداه وآفاقه المترامية وراء الإدراك البشري الحسير .
إنه نور الله الذي أشرقت به الظلمات في السماوات والأرض . النور الذي لا ندرك كنهه ولا مداه . إنما هي محاولة لوصل القلوب به , والتطلع إلى رؤياه: (يهدي الله لنوره من يشاء). . ممن يفتحون قلوبهم للنور فتراه . فهو شائع في السماوات والأرض , فائض في السماوات والأرض . دائم في السماوات والأرض . لا ينقطع , ولا يحتبس , ولا يخبو . فحيث ما توجه إليه القلب رآه . وحيثما تطلع إليه الحائر هداه . وحيثما اتصل به وجد الله .
إنما المثل الذي ضربه الله لنوره وسيلة لتقريبه إلى المدارك , وهو العليم بطاقة البشر : (ويضرب الله الأمثال للناس , والله بكل شيء عليم). .