وقفة مع آية :( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن ... )
26 رمضان ,, بقي من رمضان 4 يومآ `~
اللهم أنك عفو تحب العفو فعفو عنا ~
بسم الله الرحمن الرحيم ...
( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا
أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) )
سورة الأنبياء .. ص 329
قصة يونس - عليه السلام - وهو ذو النون .
( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ. وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ). .
لقد سمي ذا النون - أي صاحب الحوت - لأن الحوت التقمه ثم نبذه . وقصة ذلك أنه أرسل إلى قرية
فدعا أهلها إلى الله فاستعصوا عليه , فضاق بهم صدرا , وغادرهم مغاضبا , ولم يصبر على معاناة الدعوة معهم .
ظانا أن الله لن يضيق عليه الأرض , فهي فسيحة , والقرى كثيرة , والأقوام متعددون . وما دام هؤلاء يستعصون على الدعوة ,
فسيوجهه الله إلى قوم آخرين .
ذلك معنى (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ)أي أن لن نضيق عليه .
وقاده غضبه الجامح , وضيقه الخانق , إلى شاطيء البحر , فوجد سفينة مشحونة فركب فيها .
حتى إذا كانت في اللجة ثقلت , وقال ربانها:إنه لا بد من إلقاء أحد ركابها في البحر لينجو سائر من فيها من الغرق .
فساهموا فجاء السهم على يونس , فألقوه أو ألقى هو بنفسه . فالتقمه الحوت . مضيقا عليه أشد الضيق !
فلما كان في الظلمات:ظلمة جوف الحوت , وظلمة البحر , وظلمة الليل نادى: (أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
فاستجاب الله دعاءه , ونجاه من الغم الذي هو فيه . ولفظه الحوت على الساحل ..
الـــــــــــوقفة //ّ~
إن في قصة يونس - عليه السلام - لفتات ولمسات نقف أمامها لحظات .
إن يونس لم يصبر على تكاليف الرسالة , فضاق صدرا بالقوم , وألقى عبء الدعوة , وذهب مغاضبا ,
ضيق الصدر , حرج النفس ; فأوقعه الله في الضيق الذي تهون إلى جانبه مضايقات المكذبين . ولولا أن ثاب إلى ربه !
واعترف بظلمه لنفسه ودعوته وواجبه . لما فرج الله عنه هذا الضيق . ولكنها القدرة حفظته ونجته من الغم الذي يعانيه .
وأصحاب الدعوات لا بد أن يحتملوا تكاليفها , وأن يصبروا على التكذيب بها , والإيذاء من أجلها . وتكذيب الصادق الواثق
مرير على النفس حقا . ولكنه بعض تكاليف الرسالة . فلا بد لمن يكلفون حمل
الدعوات أن يصبروا ويحتملوا , ولا بد أن يثابروا ويثبتوا . ولا بد أن يكرروا الدعوة ويبدئوا فيها ويعيدوا .
إنهم لا يجوز لهم أن ييأسوا من صلاح النفوس واستجابة القلوب , مهما واجهوا من إنكار وتكذيب ,
ومن عتو وجحود . فإذا كانت المرة المائة لم تصل إلى القلوب , فقد تصل المرة الواحدة بعد المائة . .
وقد تصل المرة الواحدة بعد الألف . . ولو صبروا هذه المرة وحاولوا ولم يقنطوا لتفتحت لهم أرصاد القلوب !
إن طريق الدعوات ليس هينا لينا . واستجابة النفوس للدعوات ليست قريبة يسيرة . فهناك ركام من الباطل والضلال
والتقاليد والعادات , والنظم والأوضاع , يجثم على القلوب . ولا بد من إزالة هذا الركام . ولا بد من استحياء القلوب بكل وسيلة .
ولا بد من لمس جميع المراكز الحساسة . ومن محاولة العثور على العصب الموصل . . وإحدى اللمسات ستصادف مع المثابرة
والصبر والرجاء . ولمسة واحدة قد تحول الكائن البشري تحويلا تاما في لحظة متى أصابت اللمسة موضعها . وإن الإنسان ليدهش
أحيانا وهو يحاول ألف محاولة , ثم إذا لمسة عابرة تصيب موضعها في الجهاز البشري فينتفض كله بأيسر مجهود ,
وقد أعيا من قبل على كل الجهود !
إن القلب البشري هو أقرب ما يكون إلى جهاز الاستقبال . وأصحاب الدعوات لا بد أن يحاولوا تحريك المشير ليتلقى القلب
من وراء الأفق . ولمسة واحدة بعد ألف لمسة قد تصله بمصدر الإرسال !
إن الدعوة هي الأصل لا شخص الداعية ! فليضق صدره . ولكن ليكظم ويمض .
وخير له أن يصبر فلا يضيق صدره بما يقولون !
إن الداعية أداة في يد القدرة . والله أرعى لدعوته وأحفظ . فليؤد هو واجبه في كل ظرف , وفي كل جو ,
والبقية على الله . والهدى هدى الله .
وإن في قصة ذي النون لدرسا لأصحاب الدعوات ينبغي أن يتأملوه .
وإن في رجعة ذي النون إلى ربه واعترافه بظلمه لعبرة لأصحاب الدعوات ينبغي أن يتدبروها .
وإن في رحمة الله لذي النون واستجابة دعائه المنيب في الظلمات لبشرى للمؤمنين: (وكذلك ننجي المؤمنين) . .
فضل من قال:( لااله الا انت سبحانك إني كنت من الظالمين)
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال
" دعوة ذي النون إذ هوفي بطن الحوت
( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )
لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له"