كريمٌ طفلٌ مُهَذَّبٌ يحرصُ على حُضورِ دُروسِ العلمِ بالمسجدِ.
أمُّ كريم تقوم بتربيةِ بعضِ الطُّيور علَى سطح المنزلِ وتحرصُ على تقديم وَجَبَاتِ الطَّعام لهَذِهِ الطيور، وذاتَ مَرَّةٍ أخبرها كريم أنَّه يُريد أن تُعَلِّمَه كيف تَسْقِي الطيورَ التي تُرَبِّيها على السَّطْحِ، أخبرَتْه أمُّه أنَّها تضعُ الماءَ في بعض الأواني يوميًّا كي تشربَ هذه الطيورُ.
كانتْ مُفاجأةً حينما طلب منها كريم أن تترُكَ له هذه المَهمَّة، فهو يُريد أن يَسْقِيَ ويُطعم الطيورَ بدلاً منها، اندهشَتِ الأمُّ مِن طلبِه، فابْنَتُها سلوى ترفضُ تماماً الصُّعُودَ للسَّطح لتقديمِ أيِّ شيءٍ للطيور، وعلى الرُّغم من غرابةِ الأمر إلَّا أنَّ أمَّه وافقت على الفور لترتاحَ قليلاً من الصُّعود للسَّطح والهُبوط منه.
لم يَسْلَمْ كريم من سُخْرِيَةِ أختِه سلوَى كلَّما رأتْه يملأُ إناءَ الماءِ الكبير ويصعدُ به للسَّطح ليُوَزِّعَه على الآنِيَةِ الصَّغيرة المُخصَّصة لطيور المنزل ليَشربوا، دوماً تسخر منه وتُطلق النُّكات، وعلى الرُّغم مِن هذا لم يحزنْ كريم أو يغضبْ بل كان يُوَاجِهُ أختَه بابتسامةٍ كبيرةٍ قائلاً: هناك كنزٌ كبيرٌ لا يحصل عليه أحدٌ إلا ساقي الطيور.
تعجَّبت أختُه من كلماتِه وسألتْهُ: هل تقصدُ أنَّك تأخذ ما تبيضُه هذه الطيور من بيضٍ لنفسِكَ؟
تزداد ابتسامةُ كريمٍ الغامضةُ وهو يقول: لا أتحدَّث عن البيض.. بل عن كنزٍ كبيرٍ.
ومع إصرارِ أخته أن تعرفَ طبيعةَ الكنزِ الذي يُحدِّثها عنه كريم، قرَّر كريم أن يُخْبِرَها بالأمر على شرطِ أن تصعدَ معه للسَّطح وترَى بنفسِها فرحةَ الطيور وهي تستقبله وهو يحمل لها الماءَ والطَّعامَ.
وبالفعل صعدَتْ معه وشاهدَتْ فرحةَ الإوَزِّ والدَّجَاجِ والحمامِ بأخيها الأصغر وهو يضعُ لهم الماءَ والطعامَ، وهُنا سألتْه في لهفةٍ: أين الكنزُ الذي تتحدَّثُ عنهُ؟
أشار كريم للطيور المُتجمِّعة حول أوانِي الماء تشربُ بلهفةٍ قائلاً:
ــ ألا تعرفين حديثَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ( فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ) فكُلَّما سَقَيْتُ كائنًا حيًّا أو أطعَمْتُه فلِي أجرٌ.. وهذا أجملُ الكنوزِ.